أحمد الخميسي يكتب: نوبل.. احترنا يا جايزة نبوسك منين؟
مازالت جائزة نوبل في الأدب تثير الأسئلة كل عام، فينطبق عليها المثل الشعبي القائل:" احترنا يا بخرة نبوسك منين"، والبخرة أو البخراء رائحة غير مستحبة، ومعنى المثل أن هناك من إذا اقتربت منه لتحيته أظهر لك وجها مختلفا فلا تدري من أين يمكنك التعامل معه. نوبل في الأدب محيرة، فهي عشرات المرات جائزة سياسية بحت، وعشرات المرات جائزة أدبية، ومرات أخرى توازن ما بين تلك الدوافع. وتتجدد الأسئلة ذاتها هذا العام مع فوز الأديبة الكورية هان كانج بالجائزة، وهي أسئلة رافقت الجائزة منذ بدء منحها عام 1901 لمن:" قدم خدمة كبيرة للإنسانية من خلال عمل أدبي"، لكن الجائزة سقطت في أول اختبار لها بين الاعتبارات السياسية والأدبية حين منحت للشاعر الفرنسي رينه سولي برودوم الذي لا يذكره أحد، وتجاهلت العملاق الروسي ليف تولستوي وكان حيا في وقتها. وواصلت السقوط المدوي عام 1953 حين نالها رئيس الوزراء البريطاني تشرشل بفضل" أسلوب خطابته المذهل"! وفي عام 2016 حصل على الجائزة مطرب أمريكي يدعى بوب ديلان، لأنه:" خلق تعبيرات جديدة في تقليد الأغنية الأمريكية"! أما عن جائزة نوبل للسلام فحدث ولا حرج فقد نالها قتلة محترفون مثل شمعون بيريز، وحصلت عليها منظمات تقف مع أمريكا داخل بلدانها مثل منظمة الذاكرة الروسية، ومركز" الحريات المدنية" الأوكراني، وحركة" تضامن" البولندية، ونالها عام 2022 المعارض البيلاروسي أليس بيالباتسكي بسبب نشاطه الموالي للسياسة الأمريكية. جائزة نوبل في الاقتصاد اقتصرت على العلماء أصحاب الفكر الاقتصادي الرأسمالي وحدهم. وفي الأدب حصل عليها أدباء لا قيمة لهم على الإطلاق، ويكفي التذكير بالكاتبة سفيتلانا ألكسيفتش التي فازت بنوبل في 2013 فأشارت كل الصحف الغربية عند فوزها بنوبل إلى أنها أول كاتبة تفوز بنوبل عن:" الأدب غير الروائي"! لأنها في واقع الأمر مجرد صحفية وليست أديبة.
المقصود من كل ما فات أن الجائزة تضع في حسبانها أولا وأخيرا تغذية وتشجيع ما تجده نافعا لاتجاهاتها الأدبية والفكرية والفلسفية ولكنها خلال ذلك مرغمة ولو من حين لآخر على مراعاة المستوى الأدبي، لكي لا تسقط قيمتها بالكامل، ومن ثم فإنها تزين وجهها بأديب حقيقي من وقت لآخر. وليس بوسعي هنا أن أحدد موقفا من الأديبة الكورية هان كانج، وما إن كانت مجرد قطعة الحلوى التي تتزين بها نوبل، أم أنها أديبة حقا، لكني قرأت للصديق الأديب إبراهيم فرغلي ما يشجع على قراءة أعمالها حين كتب يقول: " هذه الكاتبة ليست بسيطة أو سهلة بتاتا. بل تكتب بنصل سكين رهيف لكنه حاد إلى درجة الألم الذي لا شفاء منه"، بينما أشار أديب آخر هو عمرو العادلي إلى حيرته مع روايتها المسماة" النباتية" قائلا إنها:" رواية مربكة.. وسبب الارتباك أني حسبتها روايتين في بعض مش رواية واحدة".
على أي حال طالما أنها نوبل فلنقرأ لنعرف إن كان الأدب قد فاز أم أن الفوز كان للدوافع السياسية وتأكيد مكانة كوريا الجنوبية دوليا، وفي كل الأحوال نظل نردد مع نوبل كل عام: احترنا يا جايزة.. نبوسك منين؟